المعجزة العلمية في القرآن والسنة
الإعجــــــاز الــعــلــمــي :
تـــعـــريـــف الإعجـــــاز : الإعجاز مشتق من العجز .
والعـــجـــز : الضعف أو عدم القدرة .
والإعجـــــاز مصـــدر اعجـــز : وهو بمعنى الفوت والسبق .
والمعجزة في اصــطـــــلاح العلماء : أمر خارق للعادة ، مقرون بالتحدي ، سالم من المعارضة .
وإعجــــاز القـــــرآن : يقصد به : إعجاز القرآن الناس أن يأتوا بمثله .
أي نسبة العجز إلى الناس بسبب عدم قدرتهم على الآتيان بمثله .
تعريـــــف الــــــعلم :
وصف الإعجاز هنا بأنه علمي نسبة إلى العلم .
والعــــــلم : هو إدراك الأشياء على حقائقها . أو هو صفة ينكشف بها المطلوب انكشافاً تاماً .
والمقصود بالعلم في هذا المقام : العلم التجريبي .
وعليه فيعرف الإعجاز العلمي بما يلي :
تعريف الإعجاز العلمي :
هو إخبار القرآن الكريم أو السنة النبوية بحقيقة أثبتها العلم التجريبي ، وثبت عدم إمكانية إدراكها بالوسائل البشريةفي زمن الرسول . وهذا مما يظهر صدق الرسول محمد فيما أخبر به عن ربه سبحانه .
لكل رسول معجزة تناسب قومه ومدة رسالته :
ولما كان الرسل قبل محمد يبعثون إلى أقوامهم خاصة ، ولأزمنة محدودة فقد أيدهم الله ببينات حسية مثل : عصا موسى عليه السلام ، وإحياء الموتى بإذن الله على يد عيسى عليه السلام ، وتستمر هذه البينات الحسية محتفظة بقوة إقناعها في الزمن المحدد لرسالة كل رسول ، فإذا حرف الناس دين الله بعث الله رسولاً آخر بالدين الذي يرضاه ، وبمعجزة جديدة ، وبينة مشاهدة .
المعجزة العلمية تناسب الرسالة الخاتمة والمستويات البشرية المختلفة : ولما ختم الله النبوة بمحمد ضمن له حفظ دينه ، وأيده ببينة كبرى تبقى بين أيدي الناس إلى قيام الساعة ،
قال تعالى : ﴿ قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِيوَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْبَلَغَ ﴾
ومن ذلك ما يتصل بالمعجزة العلمية . وقال تعالى : ﴿ لَكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنْزَلَ إِلَيْكَأَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ ﴾ (النساء:166) . وفي هذه الآية ، التي نزلت رداً على تكذيب الكافرين ، بنبوة محمد بيان لطبيعة المعجزة العلمية ، التي تبقى بين يدي الناس ، وتتجدد مع كل فتح بشري في آفاق العلوم ، والمعارف ذات الصلة بمعاني الوحي الإلهي .
الفرق بين التفسير العلمي والإعجاز العلمي :
فالتفسير العلمي : هو الكشف عن معاني الآية أو الحديث في ضوء ما ترجحت صحته من نظريات العلوم الكونية .
أما الإعجاز العلمي : فهو إخبار القرآن الكريم ، أو السنة النبوية ، بحقيقة أثبتها العلم التجريبي أخيرا ، وثبت عدم إمكانية إدراكها بالوسائل البشرية ، في زمن الرسول . وهكذا يظهر اشتمال القرآن أو الحديث على الحقيقة الكونية ، التي يؤول إليها معنى الآية أو الحديث ، ويشاهد الناس مصداقها في الكون ، فيستقر عندها التفسير، ويعلم بها التأويل ، كما قال تعالى : ﴿ لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّوَسَوْفَ تَعْلَمُونَ ﴾ الأنعام67
مصادر أبحاث الإعجاز العلمي :
ولما كانت أبحاث الإعجاز العلمي متعلقة بالتفسير العلمي للآيات الكونية ، ومتصلة بشرح الأحاديث في هذه المجالات ، فهي فرع من فروع التفسير ، وجزء من شرح الحديث وتقوم على مصادر هذين العلمين ، ولما كانت قائمة على إظهار التوافق بين نصوص الوحي وبين ما كشف العلم التجريبي من حقائق الكون وأسراره ، فهي كذلك تقوم على مصادر العلوم التجريبية ، إلى جانب العلم المتعلق بتاريخها ، كما تتصل أيضاً بعلم أصول الدين .
قواعد أبحاث الإعجاز العلمي :
ولقد قامت هذه الأبحاث على قواعد نوجزها فيما يلي : -
(أ) :
علم الله هو العلم الشامل المحيط الذي لا يعتريه خطأ ، ولا يشوبه نقص، وعلم الإنسان محدود ، يقبل الازدياد ، ومعرض للخطأ .
(ب) :
هناك نصوص من الوحي قطعية الدلالة ، كما أن هناك حقائق علمية كونية قطعية .
(ج) :
وفي الوحي نصوص ظنية في دلالتها ، وفي العلم نظريات ظنية في ثبوتها .
(د) :
ولا يمكن أن يقع صدام بين قطعي من الوحي وقطعي من العلم التجريبي ، فإن وقع في الظاهر ، فلابد أن هناك خللا في اعتبار قطعية أحدهما .
(هـ) :
عندما يري الله عباده آية من آياته ، في الآفاق أو في الأنفس
مصدقة لآية في كتابه ، أو حديث من أحاديث رسوله يتضح المعنى ، ويكتمل التوافق ، ويستقر التفسير ، وتتحدد دلالات ألفاظ النصوص ، بما كشف من حقائق علمية وهذا هو الإعجاز .
(و) :
إن نصوص الوحي قد نزلت بألفاظ جامعة تحيط بكل المعاني الصحيحة في مواضيعها التي قد تتتابع في ظهورها جيلا بعد جيل .
(ز) :
إذا وقع التعارض بين دلالة قطعية للنص ، وبين نظرية علمية رفضت هذه النظرية ، لأن النص وحي من الذي أحاط بلك شئ علما ، وإذا وقع التوافق بينهما كان النص دليلا على صحة تلك النظرية ، وإذا كان النص ظنيا والحقيقة العلمية قطعية يؤول النص بها .
(ح) :
وإذا وقع التعارض بين حقيقة علمية قطعية ، وبين حديث ظني في ثبوته ، فيؤول الظني من الحديث ، ليتفق مع الحقيقة القطعية ، وحيث لا توجد مجال للتوفيق فيقدم القطعي .
أوجه الإعجاز العلمي :
إن معجزة القرآن العلمية ، تظهر لأهل العلم ، في كل مجال من مجالاته ، فهي ظاهرة في نظمه ، وفي إخباره عن الأولين ، وفي إنبائه بحوادث المستقبل ، وحكم التشريع ، وغيرها .. ولقد شاع مصطلح الإعجاز العلمي في عصرنا، للدلالة على أوجه إعجاز القرآن والسنة ، التي كشفت عنها العلوم الكونية والطبية .
وتتمثل أوجه الإعجاز العلمي في القرآن والسنة فيما يلي :
1-
في التوافق الدقيق بين ما في نصوص الكتاب والسنة ، وبين ما كشفه علماء الكون من حقائق كونية ، وأسرار علمية ، لم يكن في إمكان بشر أن يعرفها وقت نزول القرآن .
2-
تصحيح الكتاب والسنة لما شاع بين البشرية ، في أجيالها المختلفة ، من أفكار باطلة ، حول أسرار الخلق لا يكون إلا بعلم من أحاط بكل شئ علما .
3-
إذا جمعت نصوص الكتاب ، والسنة الصحيحة ، وجدت بعضها يكمل بعضها الآخر ، فتتجلى بها الحقيقة ، مع أن هذه النصوص قد نزلت مفرقة في الزمن ، وفي مواضعها من الكتاب الكريم ، وهذا لا يكون إلا من عند الله ؛ الذي يعلم السر في السموات والأرض .
4-
سن التشريعات الحكيمة ، التي قد تخفى حكمتها على الناس ، وقت نزول القرآن ، وتكشفها أبحاث العلماء في شتى المجالات .
5-
في عدم الصدام بين نصوص الوحي القاطعة ؛ التي تصف الكون وأسراره ، على كثرتها ، وبين الحقائق العلمية المكتشفة على وفرتها ، مع وجود الصدام الكثير ، بين ما يقوله علماء الكون ، من نظريات تتبدل مع تقدم الاكتشافات ، ووجود الصدام بين العلم ، وما قررته سائر الأديان المحرفة المبدلة . وصدق الله القائل : ﴿ وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْكِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ (48) بَلْ هُوَآيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُبِآيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ (49) وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌمِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الْآيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌمُبِينٌ (50) أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (51) قُلْ كَفَى بِاللَّهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيدًا يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَوَاتِوَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْبَاطِلِ وَكَفَرُوا بِاللَّهِ أُولَئِكَ هُمُالْخَاسِرُونَ (52) ﴾ (العنكبوت:48-52).
أهمية أبحاث الإعجاز العلمي وثمارها
1-تجديد بينة الرسالة في عصر الكشوف العلمية :
إذا كان المعاصرون لرسول الله قد شاهدوا بأعينهم ، كثير من المعجزات ، فإن الله أرى أهل هذا العصر ، معجزة لرسوله تتناسب مع عصرهم ، ويتبين لهم بها أن القرآن حق ،
وتلك الــبــيــنــة المــعــجــزة هي : بينة الإعجاز العلمي ، في القرآن والسنة ، وأهل عصرنا لا يذعنون لشئ مثل إذعانهم للعلم ، وبيناته ودلائله ، على اختلاف أجناسهم وأوطانهم وأديانهم ، وأبحاث الإعجاز كفيلة بإذن الله بتقديم أوضح الحجج ، وأقوى البينات العلمية ، لمن أراد الحق من سائر الأجناس . وفي حجج هذه الأبحاث قوة في اليقين ، وزيادة في إيمان المؤمنين . ﴿ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًاوَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ﴾ (الأنفال:2) . وظهور هذه البينات العلمية ، يسكب الثقة مرة ثانية ، في قلوب الذين فتنهم الكفار من المسلمين عن دينهم باسم العلم ؛ الذي قام عليه التقدم والحضارة .
2- تصحيح مسار العلم التجريبي في العالم :
لقد جعل الله النظر في المخلوقات ؛ الذي تقوم عليه العلوم التجريبية طريقاً إلى الإيمان به ، وطريقاً إلى الإيمان برسول الله ، ولكن أهل الأديان المحرفة كذبوا حقائقه ، وسفهوا طرقه ، واضطهدوا دعاته ، فواجههم حملة هذه العلوم التجريبية ، بإعلان الحرب على تلك الأديان ، فكشفوا ما فيها من أباطيل ، وأصبحت البشرية في متاهة ، تبحث عن الدين الحق ؛ الذي يدعو إلى العلم، والعلم يدعو إليه . إن بإمكان المسلمين أن يتقدموا لتصحيح مسار العلم في العالم ، ووضعه في مكانه الصحيح ، طريقاً إلى الإيمان بالله ورسوله ، ومصدقا بما في القرآن ، ودليلا على الإسلام ، وشاهدا بتحريف غيره من الأديان . إن البشرية بحاجة إلى الدين الحق ؛ لإنقاذها مما حل بها من خواء في الروح ، وضياع في الشعور ، وشقاء في النفس ، بحاجة إلى الدين الذي يجمع لها بين الدين والعلم ، والمادة والروح ، والنظام والخلق وسعادة الدنيا وحسن ثواب الآخرة ، ولكنها بحاجة إلى دليل من العلم يثبت لها صحة الدين ، وفي هذه الأبحاث جواب . ومما يبشر بإمكانية تحقيق هذا الهدف ، وجود قاعدة كبيرة من علماء الكون المنصفين ، الذين لا يترددون في إعلان ما يقتنعون به من الحق ، وهم أهل الكلمة في شعوبهم ، ولا يستطيع المكابرون والجاحدون أن يحجروا عليهم في كثير من بلدان العالم ، فيما عدا البلاد الشيوعية ؛ التي جعلت الالحاد منهجاً لها في الحياة . ولكن وسائل الإعلام المعاصرة قد تكون سبباً لإبلاغ أهل تلك البلاد حقائق العلم والإيمان ، وربما فتح الله فيها ما لا يتيسر في غيرها .
3- تنشيط المسلمين للاكتشافات الكونية ، بدافع من الحوافز الإيمانية :
إن التفكر في مخلوقات الله عبادة ، والتفكر في معاني الآيات والأحاديث عبادة ، وتقديمها للناس دعوة إلى الله ، وهذا كله متحقق في أبحاث الإعجاز العلمي في القرآن والسنة . وهذا من شأنه أن يحفز المسلمين إلى اكتشاف أسرار الكون ؛ بدوافع إيمانية ، لعلها تعبر بهم فترة التخلف؛التي عاشوها فترة من الزمن ، في هذه المجالات . وسيجد الباحثون المسلمون ، في كلام الخالق عن أسرار مخلوقاته ، أدلة تهديهم أثناء سيرهم في أبحاثهم ، وتقرب لهم
النتائج ، وتوفر لهم الجهود .
واجب المسلمين : وإذا علمنا أهمية هذه الأبحاث في تقوية إيمان المؤمنين ، ودفع الفتن التي ألبسها الكفار ثوب العلم ، عن بلاد المسلمين ، وفي دعوة غير المسلمين ، وفي فهم ما خوطبنا به في القرآن والسنة ، وفي حفز المسلمين للأخذ بأسباب النهضة العلمية ، تبين من ذلك كله أن القيام بهذه الأبحاث من أهم فروض الكفايات . وصدق الله القائل : ﴿ لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ ﴾ (البينة:1).
منقول للفائده